الكركرية”.. موريتانيون يتبعون شيخا مغربيا باذخا يعلمهم “نور الله”
تانيد ميديا: “هي طريق مبنية على نور الله.. على مثل نوره الذي مثله في كتابه”، بهذه الكلمات يعبر الشيخ محمد فوزي الكركري شيخ ومؤسس ما تدعى اليوم الطريقة الكركرية عن ماهية طريقته التي تستحوذ على اهتمام كثير من المغردين والمدونين عبر المنصات الاجتماعية خاصة في موريتانيا.. يردف الكركري في تصريح متلفز على قناة مغربية خاصة أنه بنى تأصيله للنور الإلهي على مثل “نور السماوات والأرض” الوارد في القرآن الكريم باعتباره المثل القريب من المريد، والذي يكون له بابا لانفتاح “كشوفات الغيب”.
بملابس مطرزة على شكل مرقعات مختلفة الألوان يأخذ مريدو الطريقة الكركرية حليهم لجلسات الترديد وللدخول في
حالة التصوف التي يقول مقدمو الطريقة إنها أبواب النور وسبله. يحجم أغلبهم عن التصريح بأكثر من النور الذي يقول أغلبهم إنه رآه عند دخول هذه الطريقة، يعلقون المسابح في أعناقهم وينصرفون عن التواصل مع محيطهم في أوقات الأوراد.
وجدت مدار صعوبة في الوصول إلى أي من مريدي الطريقة أو المتحدثين باسمها، ثم قادها البحث إلى من ظهر أنه أحد المقربين من شيخ الطريقة ومؤسسها في المغرب، وقد طلب منا التواصل مع ممثل الطريقة في موريتانيا، والذي لا يرد على هاتفه.
للموريتانيين باع واسع في التصوف، فقد ارتقت شخصيات وعائلات بأكملها من مختلف مناطق الجمهورية في درجات التصوف خاصة الطريقة القادرية التي تعتبر بمختلف أفرعها ومجموعاتها الأكثر والأوسع انتشارا في غرب القارة، ولذا تشكلت على مدى عقود من الزمان حضرات وزوايا ومراجع صوفية تنتمي لمختلف مشارب الطريقة القادرية شمالا وشرقا وجنوبا، وألقى هذا الحضور بتأثيره القوي على المنطقة ككل لفائدة الموريتانيين رغم تعطيل الاستفادة السياسية منه حتى اليوم رغم انتماء الرئيس الحالي محمد الشيخ الغزواني إلى أسرة مشيخة صوفية، وهو ثاني رئيس موريتاني ينتمي بالممارسة إلى طريقة صوفية بعد الرئيس الراحل سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله رحمه الله.
لذا، كان من اللافت دخول طريقة جديدة إلى واجهة الممارسة الدينية المحافظة في البلاد من مصدر غير معلوم وانطلاقا من أصول غير موضحة للجمهور.
الكركري.. صاحب “كرامة” كثير الصور!
يقول موقع الطريقة إن شيخها ومؤسسها المغربي محمد فوزي الكركري ” هو الإمام الأكبر والكنز الأفخر الذي من وجده وجد الكبريت الأحمر، ومن صحبه نال العز الأكبر، الساطعة شمسه في سماء الحقيقة، ووارث سر الذات، والمؤيد بنور الصفات، صاحب الهمة العالية والأخلاق المرضية والعلوم المصطفوية، الختم الأحمدي والمظهر المحمدي سيدي محمد فوزي الكركري رضي الله عنه.” وينسب الموقع إليه مأثور قوله ومخطوطا من الصور التي تحاول إضفاء وقار على هيئته، فيما أفرد له نصا أدبيا طويلا يتناول تكوينه ونشأته ويخلص إلى كراماته وحكمه.
وحسب الموقع فإن محمد فوزي الكركري ينتسب حسب الشجرة المنشورة على الموقع إلى سيدنا الحسن ابن علي رضي الله عنه، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الموقع بعد انتهاء السند إلى الله سبحانه وتعالى عبر جبريل عليه السلام ومنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ” وهذه سلسلة الذهب لأنها مسلسلة بالأقطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنهم أجمعين، والحمد لله رب العالمين”.
يقول موقع “الكركرية” إن من كرامات محمد فوزي الكركري اجتماع مريدين أنهم رأوه في أكثر من مكان في نفس الآن، وبأنه يحدث القادم إليه بما يقول بينه وبين نفسه، ومنها أيضا ” أنك تسمع منه الحديث والآية، فتجد في قلبك علوما وفهوما لم تكن عندك من قبل ، من غير إعمال فكر، بل بمجرد بركة أنفاس الشيخ عند إيراده تلك الأحاديث والآيات”، وأنه أيضا “يخبر الناس بأشياء لم تحدث بعد، فتقع كما أخبر، وربما يخبرك الخبر وأنت لا تلقي له بالا، حتى تراه بعينك قد وقع (..) وهذا كله مجرب ومشاهد لكل من له بالشيخ معرفة واتصال” وفق موقع الكركرية.
بيد أن أكثر ما شد انتباه المتابعين لهذه الطريقة ومؤسسها هو كثرة الصور المنشورة عنه، فهو حينا على يخت خاص في البحر يستجم ويلتقط الصور، ويختار موقع نومه في اليخت مقابل صفحة ضوء الشمس، وهو في صور أخرى يعزف على البيانو وعلى آلة “السنتير” وهي آلة موسيقية يعرف بها موسيقيو غناوة في وسط المغرب وشماله، وفي أحايين أخرى يلعب الغولف ويتوسط مجلسه وأمام رزم من الأموال.
ومع غزارة الصور المنشورة عن الكركري وغرابتها بالنسبة للمألوف عن شيخ طريقة صوفية يتزايد الجدل حول صاحب الطريقة وأتباعها وحقيقة وجودها فعليا في موريتانيا.
الصلوات الكركرية الست.
تدعي صفحة الطريقة الكركرية على منصة فيسبوك انتشارها واتساع أعداد مريديها والعاملين بها إلى خارج المغرب، وتقول الصفحة التي يبلغ عدد متابعيها نحو خمسين ألفا، وهو نفس عدد سكان بلدة العروي بإقليم الناظور حيث مقر
يبدي مؤسس الطريقة اهتمامات علمية منها أسرار الأهرام المصرية التي صور فيها مقاطع فيديو.
الزاوية، تدعي الصفحة بأن شخصيات من مناطق مختلفة خاصة من موريتانيا انتموا إلى الطريقة وأصبحوا من كبار مريديها، وتنشر بشكل منتظم جلسات “الصلوات الكركرية” وهي أدعية وابتهالات بصيغ خاصة بالطريقة عنونها موقع الطريقة بـ”الصلوات الكركرية على خير البرية” ونشرها مقسمة على ست صلوات آخرها نشرت في أغسطس عام 2019.
ولا يظهر من خلال البث الحي والمقاطع المنزلة على الصفحة أن عدد المريدين في كل جلسة يبلغ عشرين شخصا، في حين لم تستطع مدار التأكد من حجم انتشار الطريقة أو عدد مريديها من مصدر مستقل.
مع تزايد الاهتمام مؤخرا بمنشورات الطريقة وصور مؤسسها، تزايد معدل النشر والتفاعل على صفحة الطريقة ونشرة عن مبادرات لها خارج المغرب منها “مبادرة الإيواء الاجتماعي” في باكستان، وحلقات من مواضيع متفرقة كسرت تتابع نقل وبث جلسات الابتهال المتأخرة في الليل التي تنظمها زاوية الطريقة.
تنشر الطريقة كذلك ابتهالات وسماعا “كركريا” منه ما نشرت عن سيدة تونسية لقصيدة قالت إن عنوانها “هيموني، تيموني”.
دكتورة ودكتور في “الرياضيات البحتة”.. موريتانيون كركريون
بالتزامن مع تداول نشطاء موريتانيين لصور فوزي الكركري وتعليق أغلبهم على صوره وطريقته وهيئة بدأت الطريقة نشر “كلمات من القلب” للدكتورة الموريتانية هند بنت اشبيه والتي تبدأ مذاكرتها بتكرار لفظ الجلالة ثم تدخل في مفاهيم الطريقة الكركرية عن المعاني الصوفية. كان آخر درس منشور مصور لها عن “النور” وفق فهم الطريقة الكركرية، ولم ينشر قبله سوى درس واحد عنوانه النية والإخلاص.
ويظهر أن نشاط الطريقة في موريتانيا ليس وليد هذه الأيام، فقد بدأ ممثل الطريقة “محمد سعيد الشيباني” قناته على يوتيوب بنشر سهرة للطريقة الكركرية ارتدى فيها هو وشخصان آخران أزياء الطريقة المرقعة تحت خيمة في مكان لم تستطع مدار تحديده، وظهر في المقطع صحفي يدير موقعا إلكترونيا خاصا.
سعيد الشيباني ممثل الطريقة في موريتانيا مرتديا زي الطريقة (قناة الطريقة بيوتيوب)
الشيباني عسكري متقاعد يقول عن نفسه إنه رافق في خدمة السلاح كلا الرئيسين الحالي والسابق، وله تصريحات قديمة منشورة في الإعلام ينتقد فيها خروج العسكر عن وظيفتهم الأساسية، ويعرف عنه النشاط في تعاون المجتمع المدني بين المغرب وموريتانيا.
وفي مقطع مصور منشور على قناة الطريقة الكركرية في المغرب يظهر موريتاني يقول إن اسمه “يحظيه” دون أن يعرف نفسه بأكثر من ذلك ليحكي عما وصفها بتجربته مع “الطريقة الكركرية المباركة”، حيث قال إنه كان منذ زمن يبحث عمن يدله على الله ويرشده إلى طريق الهداية وبأنه رأى ذات مرة الطريقة الكركرية وسمع من البعض عنها وعما يجدون فيها من التجليات العظيمة التي جعلتهم يدخلون الطريقة. وقال إن مقدمي الطريقة في موريتانيا أرشدوه إلى طريقة الانتماء إليها عبر ورد من 400 ذكر يؤدى لمدة 40 يوما مرة في الصباح وأخرى في المساء، يؤديه المريد وهو ساجد.
ونشرت الطريقة مقطعا من موريتاني اسمه عبد الفتاح اليدالي قال فيه إنه انتمى إلى الطريقة بعد أن كان يتابع أخبارها منذ سبع سنين عبر اليوتيوب، وقال إنه بايع شيخ الطريقة وبأنه كان من قبل يشاهد النجم فإذا أراد التحقق منه وجده يبتعد ويبتعد حتى زار الزاوية الكركرية وإنه أثناء الورد بعد صلاة المغرب إذا بكوكب ظاهر رسم نصف قوس حتى تحقق
منه وبأنه حاول لا إراديا أن يمسكه أو يلمسه بيده وبأنه آنئذ بدأ بالاختفاء تدريجيا. يقول ولد اليدالي إن هذا من ثمار هذه الطريقة أن يرى نور الله كما في الآية (الله نور السماوات والأرض).
قيدت الصفحة الكركرية التعليقات على جميع المنشورات باستثناء التفاعل بتعبيرات الإيموجي، ووفق مغردين فإن هذا التقييد طرأ قبل فترة بعد أن كانت أغلب التعليقات تسخر وتتهكم على الطريقة ومريديها ومواضيعها.
عن دخول هذه الطريقة مؤخرا إلى موريتانيا قال الفقيه محمد الأمين ولد الشاه إنها ليست سوى امتداد للطرق الصوفية المتزايدة بفعل الانقسامات في الطريقة الواحدة، وإن بعض هذه الطرق ذات بدع جلية، ورغم ذلك تبقى المحجة البيضاء واضحة وفق قوله. لكن الشاه استغرب الحديث الآن عن الكركرية تحديدا وقد سبقتها أخوات لها، مفضلا السكوت على كل ما يمكن السكوت عنه ما لم يُجبَر على إقرار البدعة.
لا توجد في موريتانيا إحصاءات دقيقة لأعداد المنتمين إلى الطرق الصوفية، ولا يجد المجتمع حرجا في الانتماء إلى طرق من خارج الحدود رغم ما يترتب على ذلك من مخاطر أمنية من وجهة نظر دول في الإقليم مثل المغرب التي تتبع فيها وزارة الأوقاف للقصر الملكي وتشرف بشكل مباشر على الطرق والزوايا والأضرحة ولا تدخل في التفاهمات السياسية لتشكيل الحكومة، كذلك الحال بالنسبة لمالي والسنغال اللتان اهتمتا على مدى عقود بتوطين الطرق الصوفية الأكثر تأثيرا وتقويتها وإعطائها مساحة أكبر بقدر توسعها خارج الحدود. من جهة أخرى تقول مصادر من وزارة الشؤون الإسلامية في موريتانيا إن التحرج الرسمي يعود لتجنب أي حساسية قد تنشأ لتدخل الدولة أو تفسير اهتمامها بطرق معينة إهمالا لأخرى ما يقد يشكل مشهدا دينيا خطرا على شكل الدولة والمجتمع، بيد أن إبقاء الباب مشرعا أمام كل الطرق والمذاهب دون رقيب، وفي ظل تعدد هيئات الفتوى والإمامة العامة والخاصة يبقى تحديا أمام السلطات السياسية والشرعية في البلاد…..